سجل ليصلك جديدنا

بسم الله الرحمن الرحيم

{ الشخصية الحدية – فهم شامل للاضطراب وتأثيراته }

معاكم د. حنان نزر .

الشخصية الحدية (Borderline Personality Disorder – BPD) هي اضطراب عقلي معقد يتميز بنمط واسع الانتشار من عدم الاستقرار في العلاقات الشخصية، وصورة الذات، والمزاج، بالإضافة إلى الاندفاعية الملحوظة. غالبًا ما يعاني الأفراد المصابون باضطراب الشخصية الحدية من تقلبات مزاجية شديدة، ومخاوف مزمنة من الهجر، وصعوبة في إدارة الغضب، وسلوكيات اندفاعية قد تكون مؤذية. على الرغم من التحديات الكبيرة التي يفرضها هذا الاضطراب، فإن الفهم العميق والعلاج المناسب يمكن أن يحسن بشكل كبير نوعية حياة المصابين به.

الأعراض والعلامات :

تتسم الشخصية الحدية بمجموعة من الأعراض التي تختلف في شدتها وتكرارها من شخص لآخر. وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الطبعة الخامسة (DSM-5)، يتطلب تشخيص اضطراب الشخصية الحدية وجود خمسة على الأقل من الأعراض التالية :

  1. جهود محمومة لتجنب الهجر الحقيقي أو المتخيل: قد يلجأ الأفراد إلى سلوكيات يائسة لمنع الآخرين من مغادرتهم، حتى لو كان ذلك على حساب أنفسهم.
  2. نمط من العلاقات الشخصية غير المستقرة والمكثفة: تتميز العلاقات بتقلبات بين التقدير المفرط للمبالغة في المثالية والتقليل من الشأن والازدراء، ويعرف هذا بـ “التقسيم”.
  3. اضطراب في الهوية: عدم استقرار ملحوظ ومستمر في صورة الذات أو الإحساس بالذات.
  4. الاندفاعية في مجالين على الأقل قد يضران بالنفس: مثل الإنفاق المتهور، الجنس غير الآمن، تعاطي المخدرات، القيادة المتهورة، أو الإفراط في الطعام.
  5. سلوكيات أو إيماءات أو تهديدات انتحارية متكررة، أو سلوك إيذاء الذات: مثل الجروح أو الحروق، والتي غالبًا ما تكون وسيلة للتعامل مع الألم العاطفي الشديد.
  6. عدم استقرار عاطفي شديد بسبب تفاعل ملحوظ للمزاج: نوبات من الاكتئاب، التهيج، أو القلق تستمر لساعات قليلة ونادرًا ما تتجاوز بضعة أيام.
  7. شعور مزمن بالفراغ: إحساس دائم بعدم الاكتمال أو الملل.
  8. غضب شديد وغير مناسب، أو صعوبة في السيطرة على الغضب: قد يتجلى ذلك في نوبات غضب متكررة، غضب مستمر، أو شجارات جسدية.
  9. أفكار بجنون ارتياب عابرة مرتبطة بالضغط النفسي أو أعراض تفارقيه حادة: قد تحدث هذه الأعراض في أوقات التوتر الشديد.

الأسباب وعوامل الخطر :

لا يوجد سبب واحد ومحدد لاضطراب الشخصية الحدية، بل يُعتقد أنه ناتج عن تفاعل معقد بين العوامل الوراثية، البيولوجية، والبيئية.

  • العوامل الوراثية: تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين لديهم قريب من الدرجة الأولى مصاب باضطراب الشخصية الحدية أكثر عرضة للإصابة به.
  • العوامل البيولوجية: قد تلعب الاختلالات في بعض المواد الكيميائية في الدماغ، مثل السيروتونين، دورًا في تنظيم المزاج والاندفاع. كما قد توجد اختلافات في هياكل الدماغ المسؤولة عن تنظيم العواطف.
  • العوامل البيئية: غالبًا ما يرتبط اضطراب الشخصية الحدية بتجارب الطفولة المؤلمة، مثل الإساءة الجسدية أو الجنسية أو العاطفية، الإهمال، الانفصال عن أحد الوالدين، أو التعرض لبيئات عائلية غير مستقرة.

التشخيص والعلاج :

يتطلب تشخيص اضطراب الشخصية الحدية تقييمًا شاملاً من قبل أخصائي صحة نفسية مؤهل، مثل طبيب نفسي أو أخصائي نفسي. يعتمد التشخيص على مراجعة الأعراض، التاريخ الطبي، والتاريخ الاجتماعي والنفسي للمريض.

يعد العلاج النفسي هو حجر الزاوية في علاج اضطراب الشخصية الحدية، ومن أبرز الأساليب العلاجية:

  • العلاج السلوكي الجدلي (Dialectical Behavior Therapy – DBT): يعتبر العلاج السلوكي الجدلي هو الأكثر فعالية في علاج اضطراب الشخصية الحدية. يركز هذا العلاج على تعليم المهارات اللازمة لتنظيم العواطف، وتحمل الضيق، وتحسين العلاقات الشخصية، وزيادة اليقظة الذهنية.
  • العلاج القائم على التفكير (Schema-Focused Therapy – SFT): يركز هذا العلاج على تحديد وتغيير أنماط التفكير والسلوك غير الصحية التي نشأت في الطفولة وتساهم في اضطراب الشخصية الحدية.
  • العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy – CBT): يمكن أن يساعد العلاج المعرفي السلوكي في تحديد وتغيير أنماط التفكير والسلوك السلبية.
  • العلاج النفسي الديناميكي: يركز على فهم الصراعات اللاواعية التي قد تكون وراء الأعراض.

بالإضافة إلى العلاج النفسي، قد يصف الأطباء بعض الأدوية للمساعدة في إدارة أعراض معينة، مثل مضادات الاكتئاب للمزاج المكتئب، ومضادات الذهان للتقلبات المزاجية الشديدة أو الأفكار الذهانية، ومثبتات المزاج للتحكم في التقلبات العاطفية. ومع ذلك، لا يوجد دواء واحد يعالج اضطراب الشخصية الحدية بشكل مباشر.

التعايش والدعم :

يتطلب التعايش مع اضطراب الشخصية الحدية التزامًا طويل الأمد بالعلاج، بالإضافة إلى دعم من الأصدقاء والعائلة. يمكن أن تساعد مجموعات الدعم الأفراد على الشعور بالانتماء وتبادل الخبرات مع الآخرين الذين يواجهون تحديات مماثلة. من المهم أيضًا للأفراد المصابين باضطراب الشخصية الحدية أن يتعلموا آليات التكيف الصحية، مثل ممارسة الرياضة، والتغذية السليمة، والنوم الكافي، وتجنب الكحول والمخدرات.

الخاتمة :

الشخصية الحدية اضطراب معقد يمكن أن يؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد وعلاقاتهم. ومع ذلك، فإن التشخيص المبكر والعلاج المكثف، خاصة العلاج السلوكي الجدلي، يمكن أن يؤدي إلى تحسن ملحوظ في الأعراض ونوعية الحياة. من خلال الفهم والتعاطف والدعم، يمكن للأفراد المصابين باضطراب الشخصية الحدية أن يتعلموا كيفية إدارة أعراضهم، وبناء علاقات صحية، وعيش حياة مرضية وذات معنى.

المراجع :

A- American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and statistical manual of mental disorders (5th ed.). Arlington, VA: American Psychiatric Publishing.

B- Linehan, M. M. (1993). Cognitive-behavioral treatment of borderline personality disorder. Guilford Press.

C- National Institute of Mental Health. (n.d.). Borderline personality disorder. Retrieved from https://www.nimh.nih.gov/health/topics/borderline-personality-disorder/index.shtml

D- Shearin, E. N., & Linehan, M. M. (1999). Dialectical behavior therapy for borderline personality disorder: A pilot study. American Journal of Psychiatry, 156(11), 1735-1738.

تعليق واحد

  1. طرح جميل والمعلومات كاملة و شاملة ، وفعلاً الدعم مهم جداً في هذه الحالة لان صاحب اضطراب الشخصية الحدية يفتقد لإستقرار العلاقات، و الدعم العاطفي ووجود اشخاص مهتمين بهذا الشخص راح يعزز عنده مفهوم العلاقات و بالنسبة لي هذي أول لبنة للعلاج و تخطي الاضطراب.. عساج عالقوه و بانتظار المزيد👏🏻

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *