سجل ليصلك جديدنا
بسم الله الرحمن الرحيم
{ المرأة بين الواجب والذات }
معاكم أ. مريم سرور .
تعيش المرأة المعاصرة في مساحةٍ مليئة بالتحديات، تتقاطع فيها مسؤولياتها كزوجةٍ وأمٍ وعاملةٍ وإنسانةٍ تطمح لتحقيق ذاتها.
هي لا تسير على طريقٍ واحد، بل على دروبٍ متوازية تتطلب منها أن تكون في كل مكان، وأن تؤدي كل دور بإتقانٍ وحبٍ وصبر.
حين تستيقظ باكرًا لتُعدّ يوم أسرتها، تحمل في نظرتها دفء الأم وقلقها، وفي قلبها جدولًا طويلًا من المهام المؤجلة والأحلام المؤجلة أكثر.
تودّع أبناءها بابتسامةٍ مطمئنة، وتغادر بيتها وهي تترك خلفها جزءًا من روحها الصغيرة عند باب المنزل والمدرسة، ثم تمضي إلى عملها بثباتٍ يعرفه من جرّب التوازن بين القلب والعقل.
في العمل، تحاول أن تكون النموذج المثالي؛ منضبطة، مسؤولة، ناجحة، لا تسمح لتعبها أن يظهر، ولا لحيرتها أن تُرى.
وفي البيت، تخلع عباءة الرسمية، وتلبس دفء الحنان، تُتابع دروس أطفالها باهتمام، تُحضّر العشاء، تُصغي لشريكها بحب، وتُحاول في آخر اليوم أن تُصغي لصوتها الداخلي الذي يسألها: “وماذا عنكِ أنتِ؟”
تعيش المرأة العاملة بين عالمين لا ينفصلان، أحدهما يحتاجها لتستمر الحياة، والآخر يحتاجها لتبقى الحنان.
تحاول أن تُوازن بين أمومتها التي تستنزفها عاطفيًا، وطموحها الذي يستدعي منها القوة والعزم.
وفي هذه المعادلة الصعبة، تتقن فنّ التضحية الصامتة، ذلك الفن الذي لا يُكتب في السير الذاتية، لكنه يُخلّد في القلوب.
ليست المرأة المتعددة الأدوار بطلة خارقة، بل إنسانة تصنع بطولتها من التفاصيل الصغيرة؛
من وجبةٍ أعدّتها على عجل لتفرح بها قلوب أبنائها،
من تقريرٍ أنجزته رغم الإرهاق،
من لحظة صبرٍ وسط الفوضى،
ومن دمعةٍ خبّأتها كي لا يراها أحد.
ومع كل ذلك، تظل تحلم.
تحلم بأن تُحقق ذاتها دون أن تُقصّر في حبّها،
أن تُنجز دون أن تفقد رقتها،
أن تُعبّر عن طموحها دون أن يُنظر إليها كأنها تبتعد عن أنوثتها.
إنها تعرف أن التوازن ليس سهلًا، لكنه ممكن، لأن قلبها كبير بما يكفي ليجمع بين الحلم والعطاء.
وفي نهاية اليوم، حين تسكن الأصوات وتغفو الوجوه،
تجلس مع نفسها، تُراجع يومها بصمتٍ وابتسامة، وتقول برضا الأم والمرأة والإنسانة:
تعبت… لكنني فخورة.

